كتاب: فتاوى الرملي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي



(سُئِلَ) مَا الَّذِي أُمِرَ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} أَنَّ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي التَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةِ إلَيْهِ بِالرِّفْقِ، وَإِيرَادِ الدَّلَائِلِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْمُجَادَلَةِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى حَسَبِ فَهْمِهِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ كَمَا عَلَّمَ إبْرَاهِيمَ جِبْرِيلُ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي التَّبَرِّي مِنْ الْأَوْثَانِ وَالتَّزَيُّنِ بِالْإِسْلَامِ وَقِيلَ أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي جَمِيعِ مِلَّتِهِ إلَّا مَا أُمِرَ بِتَرْكِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالصَّحِيحُ الِاتِّبَاعُ فِي عَقَائِدِ الشَّرْعِ دُونَ الْفُرُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}. اهـ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ قِيلَ الْمِلَّةُ الدِّينُ وَهُوَ مَا كَانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَلَمْ يَكُنْ دِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخًا لِدِينِهِ قُلْنَا يَلْزَمُ الْحَمْلُ عَلَى إرَادَةِ الْأُصُولِ كَمَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْفِئَةُ الْمُحَقِّقَةُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ تَوْفِيقًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَوْنُ دِينِهِ نَاسِخًا لِدِينِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ فُرُوعِهِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} هَلْ قَالَ فِي أَزَلٍ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا كُونِي فَتَكُونُ عِنْدَ إرَادَةِ خَلْقِهَا أَمْ إذَا أَرَادَ خَلْقَ شَيْءٍ يَقُولُ كُنْ فَتَكُونُ كُنْ مُكَرَّرَةً بِحَسَبِ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ كُنْ هَلْ يَأْمُرُ مَلَكًا يَقُولُهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَوْلَ كُنْ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلَا لِبَعْضِهَا لَا فِي الْأَزَلِ وَلَا فِيمَا لَا يَزَالُ لَا مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ مَلَكٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا تَمْثِيلُهُ لِتَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى فِي مُرَادِهِ بِأَمْرِ الْمُطَاعِ لِلْمُطِيعِ فِي حُصُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَتَوَقُّفٍ وَافْتِقَارٍ إلَى مُزَاوَلَةِ عَمَلٍ وَاسْتِعْمَالِ آلَةٍ قَطْعًا لِمَادَّةِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ قِيَاسُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُدْرَةِ الْخَلْقِ فَبِمُجَرَّدِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيجَادَ شَيْءٍ يُوجَدُ.
(سُئِلَ) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَادِمُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ»؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ ثَوَابَ الْمَبْلَغِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ وَلِلْخَادِمِ ثَوَابَ سَعْيِهِ فِي إيصَالِ الصَّدَقَةِ فَلَوْ أَعْطَى الْمَالِكُ لِخَادِمِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لِيَدْفَعَهَا لِلْفَقِيرِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَثَلًا فَأَجْرُ الْمَالِكِ أَكْثَرُ وَلَوْ أَعْطَاهُ رَغِيفًا لِيَذْهَبَ إلَى فَقِيرٍ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يُقَابَلُ مَشْيُ الذَّاهِبِ إلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيدُ عَلَى الرَّغِيفِ فَأَجْرُ الْخَادِمِ أَكْثَرُ، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلُهُ قَدْرَ الرَّغِيفِ فَيَكُونُ قَدْرُ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا سَوَاءً.
(سُئِلَ) عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ فِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ الْخَفِيفُ الْحَاذِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خِفَّةُ الْحَاذِ قَالَ مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالٌ». اهـ.
وَهَلْ صَحَّ وَحَدِيثُ تَنَاكَحُوا إلَخْ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوَّلَ قَالَ شَيْخُنَا الشَّمْسُ السَّخَاوِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ إنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا بِهِ وَعَلَّقَهُ رُوَاةٌ وَكَذَا قَالَ الْخَلِيلِيُّ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ وَخَطَّئُوهُ. اهـ.
فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَيَّامِ الْفِتَنِ وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ. اهـ.
فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ مَنْ كُرِهَ لَهُ التَّزْوِيجُ.
(سُئِلَ) مَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ} مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَعْنَاهُ اُثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَوْ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَك أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا عَلِمْته اسْتِدْلَالًا فَاعْلَمْهُ خَبَرًا يَقِينًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَأَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ بِطَرِيقِ الْخَيْرِ وَالْيَقِينِ أَوْ فَاذْكُرْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَعَبَّرَ عَنْ الذِّكْرِ بِالْعِلْمِ لِحُدُوثِهِ عَنْهُ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ.
(سُئِلَ) هَلْ الْأَشْجَعُ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ أَوْ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمْ أَبُو بَكْرٍ أَشْجَعُ مُطْلَقًا كَرًّا وَفَرًّا أَمْ أَبُو بَكْرٍ أَفْرَسُ مِنْ جِهَةِ ثَبَاتِ الْقَلْبِ وَعَلِيٌّ أَشْجَعُ مِنْ جِهَةِ الْكَرِّ وَالْفَرِّ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشْجَعُ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذْ الشَّجَاعَةُ شِدَّةُ الْقَلْبِ عَلَى الْبَأْسِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ شِدَّةُ قَلْبِهِ يَوْمَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ بِالْكَفَّارَةِ لَمْ يُسَاوِهِ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ رَأَيْت الْقُرْطُبِيَّ قَالَ وَفِي هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى شَجَاعَةِ الصِّدِّيقِ فَإِنَّ الشَّجَاعَةَ حَدُّهَا ثُبُوتُ الْقَلْبِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ وَلَا مُصِيبَةَ بَعْدُ أَعْظَمُ مِنْ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَتْ عِنْدَهَا شَجَاعَتُهُ وَعِلْمُهُ.
(سُئِلَ) عَنْ رَقِيبٍ وَعَتِيدٍ هَلْ هُمَا مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ اللَّفْظَ لَيْلًا وَنَهَارًا أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهُمَا مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ اللَّفْظَ فَأَيْنَ مَقْعَدُهُمَا، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ فَمَا اسْمُ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَهَلْ رَقِيبٌ وَعَتِيدٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً أَمْ لِكُلِّ شَخْصٍ رَقِيبٌ وَعَتِيدٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ هُمَا مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَالْآخَرُ عَنْ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا مَلَكَانِ بِالنَّهَارِ وَمَلَكَانِ بِاللَّيْلِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ عَلَى يَمِينِ الرَّجُلِ وَكَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عَلَى يَسَارِهِ» وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ مَجْلِسُهُمَا تَحْتَ الشَّفَتَيْنِ عَلَى الْحَنَكِ وَكَانَ الْحَسَنُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُنَظِّفَ عَنْفَقَتَهُ أَيْ مُلَازِمٌ ثَابِتٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ضِدَّ الْقَائِمِ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَا يُفَارِقَانِهِ وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّهُمَا يُفَارِقَانِهِ فِي حَالِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَفِي حَالِ جِمَاعِهِ، وَالرَّقِيبُ هُوَ الْحَافِظُ أَوْ الْمُتَتَبِّعُ لِلْأُمُورِ أَوْ الشَّاهِدُ وَالْعَتِيدُ هُوَ الْحَاضِرُ مَعَهُ أَيْنَمَا كَانَ أَوْ الْحَافِظُ الْمُعِدُّ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ لَيْسَا بِمُسَمَّيَيْنِ بِرَقِيبٍ وَعَتِيدٍ، وَأَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ مَلَكَيْنِ فَإِذَا مَاتَ الشَّخْصُ اسْتَأْذَنَا رَبَّهُمَا فِي صُعُودِهِمَا السَّمَاءَ فَيَقُولُ إنَّ سَمَاوَاتِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونَ فَيَقُولَانِ يَا رَبَّنَا فَأَيْنَ نَكُونُ فَيَقُولُ قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَاذْكُرَانِي وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْكَاتِبَيْنِ.
(سُئِلَ) عَنْ السَّيِّدِ هَارُونَ هَلْ هُوَ رَسُولٌ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ أَوْ غَيْرُ رَسُولٍ كَمَا هُوَ الصَّرِيحُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السَّيِّدِ هَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِخِلَافٍ مَعْنَوِيٍّ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ غَيْرُ رَسُولٍ مُنْكَرًا لِإِيحَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إلَيْهِ وَالْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ الدَّالِّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافٌ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ وَالتَّسْمِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ الرَّاجِعِ إلَى الِاصْطِلَاحِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ وَفِيهِ أَقْوَالٌ مِنْهَا مَا جَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ أَنَّ الرَّسُولَ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرِيعَةٍ مُجَرَّدَةٍ يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهَا وَالنَّبِيُّ يَعُمُّهُ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِتَقْرِيرٍ سَابِقٍ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى. اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَهَارُونُ نَبِيٌّ لَا رَسُولٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ أَوْ نَسْخٌ لِبَعْضِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ كَيُوشَعَ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ نَبِيٌّ فَقَطْ فَهَارُونُ عَلَى هَذَا رَسُولٌ وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ يَعْنِي بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ الثَّانِي.
(سُئِلَ) هَلْ الْأَفْضَلُ الِاشْتِغَالُ بِالِاسْتِغْفَارِ أَمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ فَالصَّلَاةُ لَهُ أَفْضَلُ أَمْ مَعَاصِيهِ فَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ أَفْضَلُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِغْفَارِ مُطْلَقًا.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ شُكْرُ النِّعَمِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ فَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تَارِكَهُ عَاصٍ، وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ سَجْدَةُ الشُّكْرِ سُنَّةٌ فَهَلْ يُقَالُ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا لَا فَلَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الشُّكْرُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مَصْنُوعَاتِهِ وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي أَوَامِرِهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِشُكْرِ النِّعَمِ الْإِتْيَانُ بِالْمُسْتَحْسِنَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ الْمُسْتَقْبَحَاتِ الْعَقْلِيَّةِ.
وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ الشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِإِنْعَامِهِ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالصِّحَّةِ وَغَيْرِهَا بِاللِّسَانِ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا أَوْ بِالْقَلْبِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ تَعَالَى وَلِيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ كَانَ يَخْضَعُ لَهُ تَعَالَى.
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكَادُ يَخْلُو فِي وَقْتٍ عَنْ الشُّكْرِ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورُ.
(سُئِلَ) عَمَّا رَوَتْهُ الْقُرَّاءُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى التَّلَفُّظِ بِهِ فِي سَائِرِ طُرُقِهِمْ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ وَصِفَاتِهَا كَأَحْكَامِ النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ وَتَرْقِيقِ الرَّاءَاتِ وَتَفْخِيمِهَا هَلْ هُوَ عَيْنُ مَا قَرَأَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَقَّاهُ عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لَا وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْعَالِمِ الْعَامِدِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ حَرْفًا أَوْ صِفَةً أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آحَادًا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ وَصِفَاتِهَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اعْتِمَادِهِ وَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ، وَحَصَلَ بِذَلِكَ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حِفْظِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فَهُوَ عَيْنُ مَا قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَقَّاهُ عَنْ جِبْرِيلَ وَتَلَقَّفَهُ هُوَ تَلَفُّظًا رُوحَانِيًّا أَوْ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَنَّهُ حَفِظَهُ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ بِأَمْرِ إسْرَافِيلَ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَحَادِيثَ.
فَمَنْ غَيَّرَ حَرْفًا مِنْهُ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَكَذَا مَنْ غَيَّرَ صِفَةً؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهَا قُرْآنٌ كَسَائِرِ حُرُوفِهِ وَكَلِمَاتِهِ فَالْقَارِئُ كَذَلِكَ مِنْ الدَّاخِلِينَ فِي خَبَرِ: «رُبَّ قَارِئٍ لِلْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ» وَمُخْطِئٌ لِلصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ عِنْدَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ فَالْجَلِيُّ خَطَأٌ يَعْرِضُ لِلَّفْظِ وَيُخِلُّ بِالْمَعْنَى وَالْعُرْفِ كَرَفْعِ الْمَجْرُورِ وَنَصْبِهِ، وَالْخَفِيُّ خَطَأٌ يَعْرِضُ لِلَّفْظِ وَلَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى بَلْ بِالْعُرْفِ كَتَرْكِ الْإِخْفَاءِ وَالْإِقْلَابِ وَالْغُنَّةِ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا تَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّوَاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لِإِعْجَازِهِ النَّاسَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنْ قَرَأَ بِالشَّاذِّ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ عَرَفَ ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ عُزِّرَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ.
وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ الشَّاذِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ إنْ أَخْرَجَتْ لَفْظَ الْقُرْآنِ عَنْ صِيغَتِهِ بِإِدْخَالِ حَرَكَاتٍ فِيهِ أَوْ إخْرَاجِ حَرَكَاتٍ عَنْهُ أَوْ قَصْرِ مَمْدُودٍ أَوْ مَدِّ مَقْصُورٍ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ بِهِ الْمُسْتَمِعُ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ إلَى الِاعْوِجَاجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ إلَّا بِمَا تَوَاتَرَ نَقْلُهُ وَاسْتَفَاضَ وَتَلَقَّتْهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ كَالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ الْيَقِينُ وَالْقَطْعُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ مِنْهُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لَا مَنْعَ كَرَاهَةٍ وَمَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَمَمْنُوعٌ مِنْهُ مَنْ عَرَفَ الْمَصَادِرَ وَالْمَبَانِيَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ الْقِيَامُ بِوَاجِبِهِ. اهـ.